تعزيز النمو االقتصادي المطرد والشامل
للجميع والمستدام، والعمالة الكاملة
والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع

تحميل الفصل

ألف. مقدمة

لم تحرز بلدان المنطقة العربية التقدم اللازم على مسار تحقيق الهدف 8، وهي تشهد تراجعاً أو ركوداً في العديد من المؤشرات الرئيسية، إذ تكافح للتغلب على تحديات مزمنة تحول دون تحفيز النمو الاقتصادي، وزيادة إنتاجية العمل، واستحداث فرص العمل اللائق. وتكمن نقاط الضعف الهيكلية في الطبيعة الريعية لمعظم الاقتصادات، والافتقار إلى التنويع، وضعف الاندماج في سلاسل القيمة الدولية، وقدم أنظمة الأسواق. وإزاء هذه التحديات، تسجّل البطالة في المنطقة منذ فترة طويلة أعلى المعدلات في العالم، فتعوق التقدم على مسار تحقيق الهدف 8. وقد أثرت الأنماط المتمثلة بانخفاض النمو الاقتصادي بحيث لا تستفيد منه سوى شرائح صغيرة نسبياً من السكان، وارتفاع معدلات البطالة، تأثيراً شديداً على تحقيق أهداف أخرى، إذ تعوق جهود القضاء على الفقر (الهدف 1)، والحد من أوجه عدم المساواة (الهدف 10)، وتحد الاستثمار في القطاعات الرئيسية.

وأقرّت البلدان سياسات تهدف لتنويع اقتصاداتها، وتحسين أدائها الاقتصادي، وتعزيز قدرتها التنافسية. إلاّ أنها لم تحرز التقدم المطلوب للانتقال إلى اقتصادات مبتكرة ومنتجة تتيح فرص عمل لائق لجميع الفئات.

ضربت الأزمات العالمية، التي توالت على مدى السنوات الأربع الماضية، اقتصادات المنطقة المتعثرة بصعوبات مزمنة. ولم تكن المنطقة بالجهوزية الكافية للصمود إزاء التباطؤ الاقتصادي الحاد وضغوط التضخم الناجمة عن جائحة كوفيد-19، والحرب في أوكرانيا، وانعدام الاستقرار في الأسواق العالمية للطاقة والغذاء والمواد الخام. وتفاوتت التداعيات بين بلد وآخر.

    • استفادت بلدان مجلس التعاون الخليجي إلى حد كبير من ارتفاع أسعار الطاقة، فحققت مكاسب وفيرة ومعدلات نمو عالية، وتدخلت حكوماتها لضبط التضخم عند معدّلات أدنى بكثير من المتوسطات العالمية والإقليمية.

    • عانت سائر بلدان المنطقة من تداعيات اقتصادية خطيرة. فالعديد منها لم يحقق بعد التعافي الاقتصادي من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. وتأثرت معظم البلدان بمجموعة من العوامل، منها أزمة الديون، وانخفاض قيمة العملة، وخفض دعم الأسعار، واتساع الاختلالات في الميزان التجاري، وانعدام الاستقرار السياسي أو نشوب الصراعات. وأثرت هذه العوامل بشكل بالغ على الانتعاش الاقتصادي، ورفع كلفة المعيش.

    • تزامناً مع ذلك، انخفض صافي تدفقات المساعدة الإنمائية الرسمية إلى المنطقة بنسبة 5 في المائة بين عامي 2020 و2022. وكانت أقل البلدان نمواً والبلدان المتأثرة بالصراعات في المنطقة من أكبر المتضرّرين، حيث شهد صافي تدفقات المساعدة الإنمائية الرسمية إلى هذه الدول مجتمعة انخفاضاً بنسبة 18.4 في المائة خلال هذه الفترة.

المصدر: IMF, 2023; OECD Stat, Aid (ODA) disbursements to countries and regions [DAC2a], accessed on 18 April 2024.

ما تقوله البيانات

البيانات في هذا القسم مستمدة من من المرصد العربي لأهداف التنمية المستدامة التابع للإسكوا، ما لم يذكر خلاف ذلك (اطلع عليها في كانون الأول/ديسمبر 2023).

تكشف البيانات المتاحة عن الهدف 8 صعوبات متفاقمة في تحفيز النمو واستحداث فرص للعمل اللائق في المنطقة العربية.

انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي على صعيد المنطقة ككل منذ عام 2015. فبين معدلات النمو السنوي البطيئة، والانتكاسات الكبيرة الناتجة عن جائحة كوفيد-19، وارتفاع التضخم، تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو 3.7 في المائة بين عامي 2015 و2022. وعلى الصعيد العالمي، ازداد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأكثر من 10 في المائة خلال هذه الفترة.
شهدت إنتاجية العمل الحقيقية حالة من الركود بين عامي 2015 و2023 بسبب الانخفاضات الحادة التي سُجلت خلال جائحة كوفيد-19 والتي حجبت ما تحقق من زيادات بطيئة، مما أدى إلى تحقيق زيادة طفيفة قدرها 1 في المائة فقط خلال هذه الفترة على المستوى الإقليمي، فيما ازدادت إنتاجية العمل الحقيقية العالمية بنسبة 11.8 في المائة خلال هذه الفترة.
تسجل المنطقة أعلى معدل للبطالة في العالم بلغ 10.7 في المائة في عام 2022 مقابل 5.8 في المائة على مستوى العالم. وهذه المشكلة ليست وليدة الأمس، فالبطالة في المنطقة نادراً ما انخفضت دون 10 في المائة منذ عام 2000. والوضع يزداد خطورة في حالة النساء. فمعدل بطالة الإناث في المنطقة الذي بلغ 19.9 في المائة في عام 2022، فاق بثلاثة أضعاف المتوسط العالمي البالغ 5.8 في المائة. ووصل معدل بطالة الشباب إلى 26.3 في المائة، متجاوزاً بأشواط المتوسط العالمي البالغ 14 في المائة، وارتفع إلى 41.6 في المائة في صفوف الشابات. وتمثّل العمالة غير النظامية أكثر من 62 في المائة من جميع الوظائف في المنطقة.
تتوفر البيانات عن الهدف 8 بمستويات لا بأس بها على صعيد المنطقة. وتشير مؤشرات الاقتصاد الكلي بوضوح إلى ضرورة تكثيف الجهود لتحقيق النمو الشامل والمستدام، وإتاحة العمل اللائق للجميع. غير أن تكوين صورة كاملة عن مدى تأثير اتجاهات النمو والعمالة على الأشخاص الأكثر عرضة للإهمال، يتطلب بيانات مفصّلة حسب خصائص أساسية مثل الجنس، والعمر، والقطاع، والمهنة، والإعاقة، وحالة الهجرة.

للاطلاع على أحدث البيانات الخاصة بالهدف 8 على المستويين الوطني والإقليمي وتحليل مدى توفرها، يرجى زيارة المرصد العربي لأهداف التنمية المستدامة التابع للإسكوا.

بلغ معدل الشباب خارج دائرة العمالة والتعليم والتدريب 30.7 في المائة في عام 2022، مظهراً نقص الفرص المتاحة لهم، وهذا المعدل يفوق 30 في المائة منذ عام 2005، متجاوزاً المعدل العالمي البالغ 24.5 في المائة. وتنكشف فجوة عميقة بين الجنسين، إذ تبلغ نسبة الشابات خارج دائرة العمالة والتعليم والتدريب 42.9 في المائة.

وصولاً إلى عام 2030: نُهُج السياسات المقترحة لتسريع التقدم في تحقيق الهدف 8

زيادة الاستثمار العام والخاص في البحث والتطوير، وحشد الدعم الإقليمي والعالمي لنقل المعرفة والتكنولوجيا بهدف تحسين الابتكار والقدرة التنافسية.
دعم تطوير القطاعات العالية القيمة من خلال الاستثمار الاستراتيجي في الصناعات التي تدعم استحداث فرص العمل، وتعزز سلاسل القيمة المحلية، وتوفر إمكانيات عالية للتصدير. وتساهم برامج الحوافز المتقنة، بما في ذلك إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة، في إنعاش الاستثمار، وتعزيز التجارة الدولية.
تقليص العوائق أمام التجارة والاستثمار لتهيئة بيئة مؤازرة للأعمال، بطرق منها تبسيط الإجراءات البيروقراطية، واستخدام التكنولوجيا لتسريع العمليات، وتطوير بوابات خدمات الحكومة الإلكترونية.
إقرار إصلاحات في التعليم لبناء المهارات في مجالات حل المشاكل، والتفكير النقدي، واستخدام التكنولوجيات الجديدة التي تخوّل الطلاب المتخرجين الحصول على فرص العمل اللائق، بما في ذلك في القطاعات الناشئة للثورة الصناعية الرابعة.
تسريع التنويع الاقتصادي، والحد من الاعتماد على القطاعات الاستخراجية من خلال الاستثمار في الاقتصادات الخضراء واقتصادات المعرفة، وإعطاء الأولوية لقطاعات التصدير لدعم القدرة التنافسية واستحداث فرص العمل اللائق.
دعم الحق في تشكيل النقابات، وتسهيل الحوار الثلاثي، وحماية حقوق العمال المهاجرين وعمال المنازل بما يتماشى مع اتفاقيات منظمة العمل الدولية. ويمكن لممارسات المشتريات العامة المستدامة أن تكون بمثابة آليات تشجّع الشركات الخاصة على التقيد بقوانين العمل وإيلاء الاهتمام للمساواة بين الجنسين.
تيسير مشاركة المرأة في القوى العاملة عن طريق وضع وإنفاذ تدابير لإلغاء الأعراف الاجتماعية القائمة على التمييز، والمعاقبة على التمييز بين الجنسين، وتجريم التحرش الجنسي في مكان العمل، وتعزيز تغطية التأمين الاجتماعي لمستحقات الأمومة ورعاية الأطفال.
تفعيل النشاط الاقتصادي في المناطق الريفية والنائية، بطرق منها تطوير البنية الأساسية الاستراتيجية، وتحفيز الاستثمار الأجنبي والمحلي، وزيادة الدعم الاجتماعي للعاملين في القطاع غير النظامي والعاملين في الزراعة.

باء. مشهد السياسات المعنية بالهدف 8

تـتلازم الاسـتراتيجيات الوطنيـة للنمـو مـع سـائر السياسـات فـي تحقيق التحـول الاجتماعي والاقتصادي في المنطقـة العربية. وإنما تتوقـف فعاليـة هـذه السياسـات علـى تضمينهـا تدابيـر لتهيئـة بيئـة مؤاتيـة للقطاًع الخاًص وتنفيذ أُطُر تنظيمية تضمن الاسـتدامة، والشـفاًفية ،والمصلحـة العاًمـة (الهـدف 16)؛ وإصلاحـات لتوجيـه النُظُـم التعليميـة نحـو الإبـداع والابتكار والتفكيـر النقدي (الهدف 4)؛ وبرامج لإزالة العوائق التي تحول دون مشـاركة المرأة في سـوق العمل (الهدف 5)؛ واسـتثمارات لتطوير البنى الأساسـية الرقمية والاتصاًل، واسـتخدام التكنولوجيـا (الهدفـاًن 9 و17).

ولتحقيق الهدف 8 تأثير مباشر على القضاء على الفقر (الهدف 1)، والحد من أوجه عدم المساًواة (الهدف 10)، وتحسين سبل العيش والرفاًه (الهدفان 2 و3). ولتحقيق النمو الاقتصادي المستدام وتقليص البصمة البيئية معاً، يجب أن تأخذ الجّهود المبذولة في إطار الهدف 8 في الحسبان الآثار على الأهداف 12، و13، و14، و15.
تظهر بين البلدان، على اختلاف ظروفهاً، اتجّاهات مشتركة في الجّهود المبذولة لتحقيق النمو الاقتصاًدي الشاًمل والمستدام وتأمين العمل اللائق للجّميع.
  • سـعت معظـم البلـدان إلى تنويـع اقتصاداتها، وإن تباينت النتائج. ووضعت اسـتراتيجّيات شـملت تحفيز الاسـتثمار الأجنبي المباشـر والاسـتثمار في البحث والتطوير، وتشـييد البنى الأساسـية وبنـاًء المهـارات لدعـم ريادة الأعمال والابتـكار، وتنفيذ إصلاحات تنظيميـة موجهـة لتهيئـة بيئـة مؤاتيـة للقطـاع الخاص. إلاّ أنّ هذه المسـاعي لـم تحقـق النتائـج المنشـودة. فالتدفقات الخاًرجة عبر الحـدود تتجّـاوز التدفقـات الوافـدة بنسـبة 50 في المائة، والإنفاق علـى البحـث والتطويـر لا يـزال دون ثلث المتوسـط العالمي ،والاسـتثمار الخـاص المحلـي بطيء 1. وفي مواجهـة المخاًطر ونقاط الضعـف فـي بيئـة الأعمـال، تكافح المنطقة لتحفيز اسـتثمارات القطـاع الخـاص الطويلـة الأجـل بهدف إحـداث تحوّل إيجّابي في مسـارها الاقتصـاًدي. وتختلـف أولويـات التنويع الاقتصادي بين مجّموعـات البلدان.
    • تعتـزم بلـدان مجلـس التعاون الخليجـي الحد من الاعتماد الشـديد على الهيدروكربونات عن طريق الاسـتثمار في القطاعـات العاليـة الابتـكار، ومنها التمويـل، والتكنولوجيا، والطاقـة المتجّـددة. وعلـى الرغم من نمـو القطاعات غير النفطيـة، لا تـزال حصـة الهيدروكربونـاًت أكثـر من 40 في المائة مـن الناتـج المحلـي الإجمالي فـي عُمان، وقطر، والكويت ،والمملكـة العربيـة السـعودية، وأكثـر من 70 في المائة مـن الإيـرادات الحكوميـة في جميع بلـدان مجّلس التعاون الخليجـي، باًسـتثناء الإمـارات العربيـة المتحدة. وتدعم الهيدروكربوناًت بطريقة غير مباًشـرة العديد من الأنشـطة الاقتصاًديـة غيـر النفطيـة في هذه البلدان2.
    • تهدف سياسات التنويع في البلدان المتوسطة الدخل إلى بناء اقتصاد أكثر توازناً، فتشجع تطوير الصناعات التحويلية، والخدمات، والسياحة، والصناعات القائمة على المعرفة، وتخفيف الاعتماًد على الصناًعاًت الاستخراجية والأنشطة التي تتطلب مهاًرات متدنية.
    • تهدف سياسات التنويع في أقل البلدان نمواً إلى تخفيف الاعتماد على القطاعات الأولية الأولية مثل الزراعة، ومصاًئد الأسماك، والأنشطة الاستخراجية.
    • تتجه سياسات التنويع في البلدان المتأثرة بالصراعات إلى تنمية الاقتصادات، وإعادة بنائها، وتوطيد استقرارها ،مع التركيز على تطوير البنى الأساسية، وإعادة الإعمار ،والزراعة، والطاقة. ويتطلب هذا التوجه جهوداً لجذب الإعاًنات والاستثمارات الدولية، وإعادة إعمار البنى الأساسية الحيوية، وتعزيز القدرات المؤسسية، وتيسير الانتعاًش والتنمية في مرحلة ماً بعد انتهاء الصراعات.
  • تقدم بلدان عديدة حوافز ضريبية ومالية سخية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر والشركات المتعددة الجنسيات، إلا أن الفوائد المنشودة لم ترق إلى مستوى الإمكانيات المتاحة. فالمنطقة لا تزال مقصرة في جذب رؤوس الأموال إلى القطاعات ذات القيمة العالية، والاستثمار الأجنبي المباشر أدنى بكثير من القدر الالزم، حيث أن ما متوسطه 69 في المائة من التدفقات الداخلة أعيد إلى خارج المنطقة بشكل دخل بدون عمل فعلي. وتذهب هذه الاستثمارات بمعظمها إلى القطاعات القائمة على كثافة رأس المال التي لا تتيح استحداث فرص العمل بأعداد كبيرة، لا سيما قطاع الصناعات الاستخراجية 3 .
    • تشمل الأدوات الأكثر شيوعا لتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة إنشاء المناطق الحرة ومنح الإعفاءات الضريبية، وقد استخدمت على نطًاق واسع في الإمارات العربية المتحدة إطلاق مناطق اقتصادية خاصة، ومنطقة لوجستية متكاملة خاصة. وتقدم البلدان المتوسطة الدخل عادة إعفاءات للشركات الأجنبية التي تقوم باستثمارات مؤهلة. وتستخدم المشتريًات العًامة لتشّجيع الاستثمار. وشهدت المملكة العربية السعودية, مؤخرا تحولا على مستوى السياسات يشترط على الحكومة، اعتبارا من كًانون الثًاني/ينًاير 2024، أن تتعاقد مع الشركًات الأجنبية التي يكون مقرها الإقليمي على أراضي المملكة 4.
    • لا تكون جميع الحوافز المعتمدة بالفعالية المنشودة من حيث الكلفة، إذ تحدث خسائر في الإيرادات وتشوهات في السوق، وقد تكون تكلفتها باهظة. فالإعفاءات الضريبية في المغرب أدت إلى خسًارة أكثر من 3.5 مليًار دولار من الإيرادات العًامة. 5 وليست هذه الحوافز إلا عاملا من العوامل الكثيرة التي تأخذها الشركات في الحسبًان عند اتخاذ قرارات بشأن الاستثمار الدولي. وتّجذب المنطقة العربية قدرا أقل من الاستثمارات الأجنبية المباشرة مقارنة ببلدان رابطة أمم جنوب شرق آسيًا، مع أنهًا تقدم حوافز أكثر سخاء.
    • تسجل تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر انخفاضا حادا منذ عام 2008، وتخطت تدفقات رأس المال الخارجة التدفقات الوافدة بنسبة 50 في المائة. وتؤجج الإعفاءات الضريبية سـباقًا تنافسـيا يدفع البلدان إلى المضي في خفض الضرائب والعمل بشروط شتى سعيا إلى جذب الأموال الأجنبية. وهذا الاتجاه يؤدي إلى تقليص الإيرادات الحكومية، والحد من القدرة على تشّجيع الاستثمارات بمًا يتمًاشى مع الأهداف الوطنية، وتقويض بيئة مزاولة الأعمال. والواقع أن المنطقة تتكبد كلفة قدرهًا 8.6 مليًار دولار سنويا نتيّجة لضعف القدرة على الإنفاذ، وإسًاءة استخدام ضريبة الشركًات، وتحويل الأرباح من الشركًات المتعددة الّجنسية. وتقلص الحوافز إمكًانيات تحقيق إيرادات من الضرائب على الشركًات بنسبة متوسطها 60 في المًائة 6.
  • تعتمد عدة بلدان سياسات لتعزيز الإنتاجية والقدرة التنافسية، وفتح آفاق إمكانيات القطاع الخاص، واستحداث المزيد من الفرص للصناعات الخضراء والتكنولوجيات الرقمية. وفي معظم الحالات، لم تحدث هذه السيًاسًات التأثير المنشود للتغلب على بطء النمو وسًائر الصعوبًات.
    • تهدف استراتيجيات الابتكار والتحول الرقمي إلى توجيه الاستثمارات نحو الشركات الناشئة، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وبرامج تحسين المهارات وتعزيز البنية الأساسية الإنتاجية، واستهداف القطاعات الاستراتيجية للثورة الصناعية الرابعة. ففي الإمارات العربية المتحدة تشّجع الاستراتيجية الوطنية للابتكار البحث والتطوير في مّجًال التكنولوجيًا المتقدمة، وتدعم الأعمال التّجًارية في مّجًال الرعًاية الصحية، والطًاقة المتّجددة، والنقل. وفي الأردن، تقدم شركة الصندوق الأردني للريًادة رأس المًال السهمي للشركًات المبتكرة في أولى مراحلهًا، ويعد برامج توعية على ريًادة الأعمال في المنًاطق والقطاعًات المحرومة، وللفئًات السكًانية المعرضة للإهمال كًالنسًاء والشبًاب.
  • حاولت الحكومات الاستفادة من التحول إلى اقتصادات أكثر مراعاة للبيئة من خلال الاستثمار في السيًاحة البيئية، وفي كفًاءة الطًاقة والطًاقة المتّجددة (الفصل الخًاص بًالهدف 7 )، والإدارة المتكًاملة للنفًايًات (الفصل الخًاص بًالهدف 12 )، والزراعة المستدامة (الفصل الخًاص بالهدف 2 ). وقد سًاهمت برامج التدريب في بنًاء قدرات أصحًاب المشًاريع الخضراء والأعمال التّجًارية.
    • يعتمد العديد من البلدان سياسات لتعزيز السياحة المستدامة. وتشجع الأنظمة في الأردن وعمان السيًاحة المستدامة بيئيًا. وتدعم تونس، ومصر، والمغرب السيًاحة البيئية في المنًاطق المحمية، وتنظم حملات واسعة لتعزيز الممًارسًات المستدامة في قطاع السيًاحة.
    • تأمل بلدان عديدة الاستفادة من الإمكانيات المهمة التي توفرها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري، وإحراز التقدم بشأن أهداف الحد من الانبعاثات، وتطوير صناعات الطاقة المتجددة المربحة. ويشمل المخطط الشمسي في تونس تونس الاستثمار في محطًات الطًاقة الشمسية، ودعم البحث والتطوير، وتقديم حوافز للشركًات الاستخدام الطًاقة المتّجددة. وأطلقت مشًاريع كبرى، على غرار محطة الظفرة للطًاقة الشمسية التًابعة لمؤسسة أبوظبي للطًاقة في الإمارات العربية المتحدة، ومشروع أمًان في موريتانيا، تعد بتحويل مزيج الطًاقة في المنطقة العربية وتخفيض انبعًاثًات الكربون، وزيًادة الحصول على الكهربًاء النظيفة بكلفة ميسرة.
    • تدعم مبًادرات مثل مخطط المغرب الأخضر الزراعة المستدامة والزراعة العضوية، وتعمل على زيًادة الإنتاجية الزراعية من خلال تحسين الري، وإدخًال أصنًاف جديدة من المحًاصيل، ودعم المزارعين أصحًاب الملكيًات الصغيرة. وفي موريتانيا، تشمل المشًاريع الّجديدة، التي من شأنهًا تحسين إدارة الأراضي وتعزيز الزراعة التّجًارية الشًاملة والمستدامة، الإدارة المّجتمعية والاستثمارات في الري.
  • وفي جميع أنحاء المنطقة، يزداد الاهتمام بمعالجة أوجه القصور التي تشوب سوق العمل، وتأمين فرص العمل اللائق من خلال وضع سياسات وطنية للتشغيل، وتعزيز التعليم والتدريب في المجال التقني والمهني 7. ولم تسفر هذه التدابير عن نتائج واضحة لمواجهة استمرار ارتفاع مستويات البطالة والعمالة الهشة. وتواجه إصلاحات التعليم والتدريب في المّجًال التقني والمهني قيودا من حيث توفير التمويل وضمان النوعية (الفصل الخاص بالهدف 4)، والعديد من السياسات الهًادفة إلى تحسين أداء سوق العمل ال تطال بشكل كاف السكان الذين هم بأمس الحاجة إلى الدعم 8. وانصب التركيز بشكل غير متناسب على العمال المهرة دون الباحثين عن عمل من ذوي المهارات المتدنية (الفصل الخاص بالهدف 1) 9. ولم يفلح النمو الاقتصادي البطيء في توفير ما يكفي من فرص العمل اللائق الاستيعاب الوافدين الجدد إلى القوى العاملة.
    • منذ عام 2023، اعتمدت سياسات وطنية للعمالة في 12 دولة هي الأردن، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والجزائر، وجزر القمر، ودولة فلسطين، والسودان، والصومال، والعراق، والمغرب، والمملكة العربية السعودية، وموريتانيا، وال تزال قيد التطوير في خمسة بلدان أخرى هي تونس، وجيبوتي، و عُمان، ولبنان، ومصر. وتختلف نوعية هذه السياسات من حيث الأهداف والمؤشرات القابلة للقياس المستخدمة، والأنشطة الملموسة المدرجة، لكن عناصرها المشتركة تشمل تعزيز النمو الاقتصادي، وتحفيز استحداث فرص العمل في القطاع الخاص، وتحسين مؤسسات وبرامج سوق العمل، وحماية حقوق العمال، وتيسير الحوار الاجتماعي. وتشمل غالبا الإجراءات المحددة توسيع نطًاق الحصول على الائتمان، وتقديم حوافز ضريبية الاستحداث فرص عمل، وإعادة توجيه الاستثمارات في قطاع التعليم، والاستثمار في الصناعات التي تتيح استحداث فرص عمل. أمًا الجمهورية العربية السورية، وقطر، والكويت، وليبيا، واليمن، بعد سياسات وطنية للعمًالة 10. وعمدت البلدان إلى إطلاق إصلاحات تعليمية، ووضع برامج للتعلم المتواصل، وتعزيز مسارات التعليم والتدريب في المّجال التقني والمهني بهدف تطوير مهارات السكان، ومواءمة قدراتهم على نحو أفضل مع احتيًاجًات سوق العمل (الفصل الخاص بالهدف 4).
  • لم يقابل تكثيف الاستراتيجيات الرامية إلى زيادة مشاركة النساء والشباب في القوى العاملة بوضع سياسات فعالة الاستحداث فرص عمل لائق أو التصدي للعوائق الاجتماعية أو الثقافية أو اللوجستية، مثل القيود المفروضة على التنقل، أو التحديات التي تواجهها النساء في رعاية أطفالهن.
    • تسجل بطالة الإناث في المنطقة معدلا هو الأعلى في العالم إذ يبلغ نحو 20 في المائة منذ عام 2022، ويفوق بثالثة أضعاف المتوسط العالمي. لا تتّجاوز نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة 20 في المائة وتبقى دون المتوسط العالمي البالغ 53 في المائة. وتدفع عوامل متنوعة نحو هذا الاتجاه، بما في ذلك فرض قيود للحصول على الخدمات المالية، وانخفاض الرواتب، والتمييز، ومحدودية التنقل، والمضايقات في الأماكن العامة. وتشمل السياسات التي ال تراعي الفوارق بين الّجنسين، والتي تشكل عوائق فعلية أمًام المشًاركة الاقتصادية للمرأة، القوانين المّجحفة المتعلقة بإجازة الأمومة أو رعًاية الأطفال بكلفة ميسرة. وقد سعت البلدان إلى تصحيح هذا الوضع باتخاذ تدابير متنوعة. ففي مصر، أصبحت ساعات عمل موظفي القطاع العًام أكثر مرونة، ووضعت قوانين تلزم الشركات الكبيرة بتوفير مرافق لرعاية الأطفال في موقع العمل. وحثت الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030 التابعة للمّجلس القومي للمرأة أصحًاب المصلحة المتعددين على اتباع نهج شامل إزاء شتى الظروف التي تواجهها المرأة في مختلف مراحل حياتها، بحيث يمكن أخذها في الاعتبار في استجابات السياسات. وأقرت المملكة العربية السعودية السعودية في عام 2023 السياسة الوطنية لتشّجيع تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة في الاستخدام، التي حددت بشكل واضح حالة التمييز بين الّجنسين وسبل منعها، ووضعت الأهداف التي من شأنها تعزيز المساواة في المعاملة في الاستخدام والمهنة، وأطلقت مبادرات لتشّجيع المرأة على دخول سوق العمل والبقاء فيه.
    • بالإضافة إلـى ارتفـاع معدلات البطالة لدى الإناث، اسـتمرت المنطقة في تسـجيل أعلى معدل بطالة بين الشـباب في العالـم بلـغ 26.3 فـي المائـة في عام 2022، إذ واجه الشـباب فـي جميـع أنحـاء المنطقـة صعوبات فـي الحصول على فرص عمـل أيًا كان تحصيلهـم العلمي. وتشـمل العوامل المسـاهمة انخفـاض معدلات اسـتحداث فـرص العمل، وغياب المواءمة بيـن مهـارات الخريّجيـن واحتياجـات أصحاب العمل. وأدى ارتفًاع معدلات البطالة بين الشـباب إلى اسـتفحال هجرة ذوي الكفـاءة مـن الشـباب الموهوبيـن الذيـن انتقلوا إلى خارج بلدهم بحثا عن فرص عمل. وشـملت السياسـات الرامية إلى معالّجة هـذه القضايا توفيـر التدريـب للشـباب أو دعمهم في مجال ريـادة الأعمال، كمـا هي الحال فـي المغرب. ووضعت بلدان المنطقـة فـي متنـاول أصحـًاب العمـل عقود عمل مدعومة أو آليًات ممًاثلة لتشـّجيعهم على تشـغيل السـكًان المسـتهدفين، مثـل الخريّجيـن أو البًاحثيـن عـن عمـل لأول مرة، كما هي الحـال فـي الجزائـر. وأدخلـت العديد مـن البلدان تعديلات على المناهـج التعليميـة، ونفـذت تدابيـر من شـأنها تعزيز التعليم والتدريـب فـي المجـال التقنـي والمهني للتصدي لبطالة الشـباب (الفصـل الخـاص بالهدف 4).
فشـلت السياسـات المّجـزأة التـي تفتقـر إلـى آليـات فعالـة للتخطيـط، والتنسـيق، والرصـد فـشلا ذريعـًا فـي إزالـة العوائـق الاجتماعية والثقافيـة الأساسية التـي تحـول دون المشـاركة الاقتصادية للمـرأة. وتعثـرت الجهـود المبذولـة لتيسـير انتقـال الشـباب مـن مسـار التعلـم إلـى مسـار الكسـب جـراء تراجع فـرص العمـل، وضعـف آليـات التنفيـذ والتنسـيق، وعـدم كفايـة البيانـات اللازمة لتصميـم وتنفيـذ السياسـات والبرامـج المحـددة الأهداف.
تشهد المنطقة هجرة متفاقمة لذوي الكفاءة من الخريجين المؤهلين الذين يبحثون عن فرص عمل أفضل خارج بلدهم. ويؤدي سوء الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي، ونشوب الصراعات، وفرض القيود على حرية التعبير، وكذلك الضعف المؤسسي واستفحال الفساد، إلى هجرة المهنيين المتعلمين من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل إلى البلدان ذات الدخل المرتفع ضمن المنطقة وخارجها. وينتقل العلماء، والمهندسون، والمهنيون في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وغيرهم من الخريجين المؤهلين إلى الخارج سعيا للحصول على فرص عمل، وأجور أعلى، وظروف معيشية أفضل.

وتكبد هجرة ذوي الكفاءة بلدان المنشأ خسارة كبيرة من حيث الموارد المنفقة على تعليم المهاجرين، والمواهب المفقودة في صفوف القوى العاملة الوطنية. والأمثلة التي تبّين حجم هذه المشكلة كثيرة، وإن لم يشملها التحليل بشكل كامل بعد. ففي المغرب، يغادر 600 مهندس بلدهم سنويا، أي ما يعادل عدد المتخرجين من أربع كليات هندسة. وأدت هجرة الطواقم الطبية خلال جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم نقاط الضعف في النظم الطبية وفي لبنان ، تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية في عام 2021 إلى أن نحو 40 في المائة من الأطباء و15 في المائة من الممرضين المسّجلين غادروا البلد. وشهد قطـاع الصحـة العامـة فـي مصر هجـرة حوالي 11,500 طبيبًا بحثا عن فرص عمل خارج بلدهم بين عامي 2019 و2022 .

المصادر: El Ouassif, 2021; WHO, 2021; Mahfouz, 2023.
  • يتفـاوت مـدى التصديـق علـى الاتفاقيات الدولية الأساسية لحقـوق العمـال وتطبيقهـا بيـن بلـدان المنطقـة. وعلـى الرغم مـن اعتمـاد بعـض الاتفاقيات علـى نطاق واسـع، ومن أبرزها التوصيـات المتعلقـة بإلغـاء العمـل الجبـري وحمايـة الأطفال، لا يـزال إنفـاذ حقـوق العمـال ضعيفـا بسـبب الانتهاكات التـي ترتكبهـً الأطراف الموقعـة وغيـر الموقعـة علـى الاتفاقيات.
    وصنفـت منظمـة العمـل الدوليـة 11 اتفاقية على أنها ”أساسـية“ لأنها تتعلق بحقوق الإنسان الأساسية. وهي تشـمل الاتفاقيات بشـأن حرية تشـكيل الّجمعيات، والاعتراف بالحق في المفاوضة الجماعيـة، والقضـاء علـى العمل الجبـري، وإلغاء عمل الأطفال، وحظـر التمييـز، وتهيئـة بيئـًت عمل آمنـة وصحية. ويبيّن الجدول 1-8 وضـع التصديـق علـى هذه الاتفاقيات 11.
  • اعتمـدت الـدول كافـة اتفاقيـات بشـأن وضع حـد للعمل الجبـري وعمـل الأطفال، إلا أن توافـق الآراء فـي مـا بينها حـول مجالات السياسـات الأخرى لـم يكن على القدر نفسـه مـن الإجماع. فبلـدان مجلـس التعـاون الخليجي، باسـتثناء الكويـت، لـم تعتمـد اتفاقيـة حـق التنظيـم والمفاوضة الّجماعيـة. ولـم تصـدق ثمانـي دول عربيـة بعـد علـى اتفاقية الحريـة النقابيـة وحمايـة حـق التنظيـم. والاتفاقيات المتعلقـة بالسـلامة والصحـة المهنيتيـن هـي الأقل تبنيـا فـي المنطقة، حيـث صدقـت أربـع دول فقـط علـى اتفاقية عام 1981، وهـي البحريـن، والجزائـر، والجمهوريـة العربية السـورية، والصومـال، واعتمـدت أربـع دول هي تونـس، والصومال، والعـراق، والمغـرب اتفاقيـة عام 2006.
  • لا يزال يتعين على العديد من البلدان السعي إلى حماية حقوق العمل وضمان الحصول على العمل اللائق على الرغم من تصديقها على اتفاقيات العمل. لا تزال أوجه عدم المساواة في الأجور بين الجنسين ظاهرة حتى في البلدان التي اعتمدت اتفاقية المساواة بهذا الشأن. وينتهك غالبا الحق في المفاوضة الّجماعية وتشكيل النقابات، بما في ذلك في البلدان المصدقة على الاتفاقيات ذات الصلة 12. وتنتشر حالات الرق والعمل الجبري على الرغم من تصديق البلدان بالإجماع على اتفاقيات العمل الجبري 13 . وتشير التقديرات إلى أن عمل الأطفال يطال نحو 1.2 مليون طفل في المنطقة (3 في المائة من المجموع)، وأن 50 في المائة منهم يعملون في ظروف خطرة.
  • يرتبط الضعف المستمر في تحقيق ظروف عمل جيدة للجميع بمجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك ارتفاع مستويات العمل غير النظامي، وضعف القدرة على تطبيق نظام تفتيش العمل، وعدم كفاية آليات الوصول إلى العدالة. وتؤدي هذه العوامل إلى تفاقم القضايا الأخطر المتمثلة بنشوب الصراعات، وحالات النزوح، والهشاشة الاقتصادية. وأدى ضعف سيادة القانون، واستفحال الفساد، وانتهاكات حقوق حرية التعبير والتجمع إلى تشكل بيئات مؤسسية ال تصلح لحماية حقوق العمال (الفصل الخاص بالهدف 16).
تحـرز الشـراكة الثلاثيـة تقدم فـي المنطقة، ما يدل على زيادة الرغبة في إشـراك أصحاب العمل والعمال في سياسـة العمـل. وقـد وقعـت 13 دولـة عربية حتـى الآن على اتفاقية المشـًاورات الثلاثيـة لمنظمـة العمـل الدولية لعام 1976، خمـس منهـا فـي العقد الماضي، وهـي تونس، وجزر القمر، والسـودان، والصومـال، وموريتانيا. وتضّم الدول كافة مؤسسـات وهيئـات للحـوار الاجتماعي، وقـد اعتمدت جميع الـدول الأعضـاء فـي جامعـة الدول العربية خطـة العمل العربية للتشـغيل، التي تعطي الأولوية للحوار الاجتماعي، وتشـّجع علـى إنشـاء مّجالـس اجتماعية واقتصادية أ.

أ يمكن الاطلاع على منظمة العمل الدولية، الثلاثية والحوار الاجتماعي في الدول العربية.

دال. سياسات لعدم إهمال أحد

لا يكفي تحقيق النمو الاقتصادي، على أهميته، لبلوغ ما تنشده الجهود المبذولة من أهداف في مجال القضاء على الفقر، والحد من عدم المساواة، واستحداث فرص عمل، وجمع الموارد المالية من أجل تعزيز التنمية المستدامة. فالنمو الذي تحققه الممارسات غير المستدامة وتستفيد منه شريحة صغيرة من السكان على نحو غير متناسب يفشل في استحداث ما يكفي من فرص العمل اللائق. والنمو الذي يغلب عليه السلوك الريعي يؤدي إلى تفاقم أوجه عدم المساواة بين فئات السكان المعرّضة أساساً للإهمال. ويتناول الجدول 8-2 بعض أوجه عدم المساواة البارزة التي تعيق تحقيق النمو العادل والشامل في المنطقة العربية، ويقدم أمثلة على السياسات الرامية إلى التخفيف من آثارها.

الجدول 2-8

أمثلة على السياسات التي تراعي مبدأ عدم إهمال أحد
يواجه الشباب أسواق عمل غير مؤاتية فشلت في استحداث ما يكفي من الوظائف لاستيعاب الوافدين الجدد إلى القوى العاملة. ونتيجة لذلك، يعاني الشباب العربي من أعلى معدل للبطالة في العالم قدره 26.3 في المائة بشكل عام. ويؤدي هذا الوضع إلى شل الحراك الاجتماعي، وتفاقم عدم المساواة، وإثارة الاضطرابات، وتهجير الباحثين عن عمل من المهرة وغير المهرة. وتُدخل بطالة الشباب الأجيال في دوامة من الفقر لا تنتهي، تفضي أحياناً إلى ارتفاع مستويات الجريمة، وانتشار العنف، وحدوث اضطرابات مدنية، وتعاطي المخدرات، وصعود التطرف السياسي. وقّعت وزارة التربية والتعليم العالي ووزارة الصناعة في لبنان وجمعية الصناعيين اللبنانيين مذكرة تفاهم في عام 2023 تهدف إلى تعزيز التعليم والتدريب التقني والمهني والتعلم مدى الحياة لدعم تشغيل الشباب. وتلحظ الاتفاقية تعميق الروابط بين الصناعة والمؤسسات، وتطوير مهارات القوى العاملة لتعزيز الابتكار والقدرة التنافسية في القطاع الخاص. وتسلط الضوء على أهمية التنسيق بين القطاعين العام والخاص لتزويد طلاب التعليم والتدريب في المجال التقني والمهني بما يحتاجون إليه من عناصر كفاءة ومعرفة تقنية لتحقيق الاستدامة المهنية. وتلتزم الأطراف الثلاثة بالتعاون في تخطيط المهارات، وتعزيز المناهج الدراسية، وتبادل التكنولوجيا، وخوض تجربة العمل الحقيقي، والانتقال من التعليم إلى العمل أ.
تعاني النساء تعاني النساء في المنطقة من الحرمان بشكل منهجي بسبب الأعراف والمواقف الثقافية المسيئة وعدم المساواة في الأجور. وتسهم العوائق النظامية وغير النظامية التي تحول دون عمل المرأة في تفاقم عدم المساواة بين الجنسين، وتقيد إمكانياتها الهائلة وغير المستغلة في الغالب. وتسجل المنطقة العربية أدنى معدل للمشاركة الاقتصادية للمرأة وأعلى معدل لبطالة الإناث في العالم بنسبة 19.9 في المائة ب. ويتطلب سدّ هذه الفجوة إطاراً زمنياً يقدّر بـ 115 عاماً ج. لخطة عمل التمكين الاقتصادي للمرأة في الأردن 2019-2024) هدفان رئيسيان: تهيئة بيئة مؤاتية لتحديد العقبات التي تحول دون المشاركة الاقتصادية للمرأة والتصدي لها، وتحسين حصول المرأة على الفرص الاقتصادية. ويقترن هذان الهدفان بمبادئ توجيهية لقياس الفجوة في الأجور بين الجنسين، ومنع المضايقات في مكان العمل، ووضع ترتيبات العمل المرنة قيد التنفيذ. وأدت جهود التوعية المرتبطة بالخطة إلى التزام 60 شركة بها، والاستفادة من برامج الدعم لزيادة مراعاة منظور المساواة بين الجنسين في الممارسات، بطرق منها إنشاء 76 مكاناً لرعاية الأطفال في المؤسسات العامة والخاصة. ولتيسير جمع البيانات بطريقة موحدة، وضعت اللجنة الوزارية المشتركة لتمكين المرأة لوحة متابعة لإعداد تقارير لصانعي القرار بشأن اعتبارات المساواة بين الجنسين في مختلف القطاعات.
يعاني الأشخاص ذوو الإعاقة من التمييز، ومن الصعوبات في إمكانية الوصول والتنقل، ومن انخفاض معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة والتعليم بسبب عدم المساواة في الحصول على التعليم الجيد، وغالباً ما لا تنفذ بحقهم قوانين مناهضة التمييز وتحديد الحصص بالقدر الكافي. ونتيجة لذلك، تنخفض معدّلات تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة مقارنة بمعدلات تشغيل غيرهم من السكان. نضمّت قطر إلى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وأقرّت قوانين لدعم مشاركتهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وكرّست رؤية قطر الوطنية 2030 هذه الأهداف، وحدد قانون عام 2004 المتعلق بالأشخاص ذوي الإعاقة حصة تشغيل تقضي بتخصيص 2 في المائة من الوظائف في كيانات القطاع العام للأشخاص ذوي الإعاقة المؤهلين. وألزم أصحاب العمل بتوفير الترتيبات التيسيرية المعقولة وتكييف أماكن العمل لهذه الفئة، على أن تُفرض عقوبات في حالات التمييز.

وتركز مبادرات أخرى على إعداد وتنفيذ برامج إعادة التأهيل والتدريب المهني لتيسير الإدماج المهني للأشخاص ذوي الإعاقة في مجال العمل في القطاعين العام والخاص. وتشارك جهات حكومية متعددة بفعالية في تنفيذ هذه التدابير، بما في ذلك وزارة الداخلية، وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية، ووزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، ومركز قطر لإعادة التأهيل.
ترتفع معدلات الفقر في المناطق الريفية والمناطق النائية، وتتدنى فيها معدلات النمو الاقتصادي مقارنة بالمناطق الحضرية التي تتمتع بقدر وفير من الوصول إلى الخدمات والبنى الأساسية. وتدفع هذه المناطق ثمن عدم التكافؤ في أنماط النمو الاقتصادي، وتداعي الهياكل الاقتصادية، وانخفاض معدلات الاستثمار الأجنبي والمحلي، والنقص في الإنفاق الاجتماعي. عمل العراق على معالجة أوجه عدم المساواة الإقليمية وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية المتوازنة ضمن محافظاته من خلال سد الفجوات العميقة التي تفصل بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية، وضمان الوصول العادل إلى الخدمات والبنى الأساسية. واتبعت ثماني وزارات اتحادية على غرار وزارة العمل والشؤون الاجتماعية نظام اللامركزية، ووُضعت مؤخراً خطط للتنمية الوطنية تهدف إلى تشجيع الاستثمار في المناطق الأقل نمواً، وتسريع إعادة الإعمار والإنعاش في المقاطعات المتأثرة بالمشاكل الأمنية. ويهدف الإطار الاستراتيجي الحضري الوطني لعام 2018 إلى تحقيق التنمية المكانية المتوازنة من خلال إنشاء مناطق صناعية واستثمارية خارج مراكز المحافظات، وإعداد برامج التنمية المكانية.
يعيش العمال غير النظاميين والعاملون في الزراعة ظروف عمل سيئة، ويتقاضون أجوراً منخفضة، ويفتقرون للأمن الوظيفي، ويقصون من تغطية الحماية الاجتماعية وتطبيق أحكام قوانين العمل. في عام 2018، أطلقت جزر القمر مشروع لتعزيز إنتاجية المزارع الأسرية وقدرتها على الصمود بهدف مساعدة نحو 35,000 مزارع من أصحاب الملكيات الصغيرة. ويشمل هذا المشروع تعزيز الدخل الريفي، واستحداث فرص عمل في المجتمعات الزراعية، وبناء القدرة على التكيف إزاء تغيّر المناخ، وتحسين الأمن الغذائي. وقد ساعد المشروع المزارعين في زيادة إنتاج المحاصيل الأصلية لتلبية الطلب المحلي وتسهيل الصادرات، وتعزيز وصول المناطق الريفية إلى الخدمات المالية لتشجيع الاستثمار في المعدات والبنى الأساسية الزراعية د. ويقدم المشروع مساهمة مهمة في تعزيز القطاع الزراعي الذي يشكل 36 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ھ ، ورفع القيمة المضافة في السنوات الأخيرة بحيث ازدادت بنسبة 2.1 في المائة في عام 2020، و3.2 في المائة في عام 2021.
يواجه اللاجئون عدداً كبيراً من العقبات القانونية وغير النظامية التي تحول دون حصولهم على فرص التعليم، والعمل، والعدالة. وتجبر القيود المفروضة على حق العمل العديد منهم على الانخراط في القطاع غير النظامي، وتحرمهم من الحماية التي يكفلها لهم قانون العمل. ويواجه المقيمون منهم في المخيمات المزيد من العوائق التي تحول دون مشاركتهم في قطاعات اقتصادية أكثر ديناميكية في البلد المضيف. وفي الكثير من الحالات، تستمر العقبات أمام إعادة دمج اللاجئين العائدين إلى بلد منشئهم. أقرّت حكومة الصومال أقرّت حكومة الصومال الاتحادية السياسة الوطنية بشأن اللاجئين العائدين والنازحين داخلياً و. ويحمي المبدأ 9 هؤلاء الأشخاص من التمييز، ويؤكد حقهم في البحث عن عمل والمشاركة في الحياة الاقتصادية. وترعى هذا المبدأ أحكام نُظُم الرعاية الاجتماعية بشأن تأمين سبل العيش، وتوفير العمل، وتحقيق الإدماج. وتشمل هذه السياسة عدة أدوات ومخططات من شأنها دعم إعادة إدماج اللاجئين العائدين والنازحين داخلياً في قطاعات الزراعة، والرعي، وصيد الأسماك. أما البرامج التي تستهدف المناطق الحضرية، فتشمل تقديم الائتمانات الصُغرى والمنح للشروع في الأعمال التجارية، وتأمين ما تحتاج إليه الأنشطة الإنتاجية من مواد وبنى أساسية، وتوفير التدريب المهني.
يُستخدَم العمال المهاجرون في المقام الأول في وظائف منخفضة الأجر، على الرغم من أن العديد منهم يزاولون أفضل المهن أجراً، لا سيما في بلدان مجلس التعاون الخليجي. ويعانون التمييز القانوني من حيث الاستفادة من التأمين بموجب تنظيمات العمل وقوانين الحد الأدنى للأجور، والاقصاء من نُظُم الحماية الاجتماعية، والاستغلال وسوء المعاملة من قِبَل أصحاب العمل.

وتواجه عاملات المنازل المهاجرات المزيد من التحديات، بحيث أن احتجازهنّ في منزل صاحب العمل غالباً ما يقصيهنّ من نُظُم الحماية التي يستفيد منها سائر العمال المهاجرين.
أدخلت العديد من بلدان مجلس التعاون الخليجي إصلاحات على نُظُم الكفالة التي تربط العمال الوافدين بكفلائهم من أصحاب العمل، وذلك بسبب الانتقادات التي وجهت إليها إزاء فرضها شروط عمل تعتبر تعسفية (الفصل الخاص بالهدف 10). فالبحرين مثلاً عملت تدريجياً على إصلاح نظام الكفالة الخاص بها. فأصدرت في عام 2009 قانون الانتقال الذي يجيز للعمال المهاجرين تغيير عملهم من دون الحصول على موافقة الكفيل، شرط أن يلتزموا بفترات الإشعار المنصوص عليها في عقود العمل الخاصة بهم. وقد منح هذا القانون العمال المهاجرين الذين يتركون عملهم 30 يوماً للبحث عن عمل بديل وهم مقيمون في البلد. إلا أن صدور قانون في عام 2011 يحصر الحصول على هذه الحقوق بالعمال المهاجرين الذين أتموا بالفعل سنة كاملة في خدمتهم حال دون بلوغ الغاية المنشودة من هذا الإصلاح. وشملت الإصلاحات الأخرى إصدار قانون لحماية العمال في عام 2012 يمنح مثلاً العمال الأجانب إجازة مرضية وإجازة سنوية.

ولا شكّ في أن هذه الإصلاحات تشكل نقطة انطلاق في الاتجاه الصحيح، إنّما بقي إنفاذها محل تشكيك، وقد تجاهلت بشكل عام عمال المنازل المهاجرين وهم من بين العمال الأكثر عرضة للمخاطر في المنطقة.
يعدّ الأطفال أكثر عرضة من عامة السكان لخطر العيش في حالة فقر. ويضطرّ أولئك الذين يعيشون في أسر معيشية فقيرة أكثر من غيرهم للعمل بدلاً من إكمال دراستهم. ويُعدّ عمل الأطفال ظاهرة مقلقة، تفاقمت خلال جائحة كوفيد-19 ز ، وتزداد مخاطرها في البلدان المتأثرة بالصراعات أو بحالات عدم الاستقرار، إذ تؤدي إلى عواقب وخيمة مدى الحياة. يلتزم المغرب بصفته عضواً في التحالف المعني بالمقصد 8-7 من أهداف التنمية المستدامة بالقضاء على عمل الأطفال، والعمل الجبري، والرق المعاصر، والاتجار بالبشرح. وأجري تعديل على قانون العمل يقضي بحظر أسوأ أشكال عمل الأطفال، ومنع من تقل أعمارهم عن 18 عاماً من مزاولة أنواع معينة من العمل (باستثناء الأعمال الحرفية اليدوية التقليدية، أو الأعمال التجارية العائلية التي يقل عدد موظفيها عن ستة). وتتضمن السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة 2015-2025 في المغرب برامج تقدم منحاً لدعم المجتمع المدني المحلي في مكافحة عمل الأطفال. ويوفر المرصد الوطني لحقوق الطفل آليات للإبلاغ عبر الإنترنت عن إساءة معاملة الأطفال، بالإضافة إلى تخصيص خط ساخن للشكاوى بشأن عمل الأطفال. وشملت الجهود المبذولة للتصدي للأسباب الجذرية لهذا العمل تقديم المساعدة للأطفال المعرضين للمخاطر عن طريق استخدام برامج التعليم غير النظامي، وتوفير التدريب المهني، ودعم الأطفال المشردين.

هاء. مشهد التمويل

يعد الشمول المالي مكونا أساسي للنمو الاقتصادي الشامل، وعاملا مساعدا التحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويعرّف بأنه النفاذ الشامل للمنتجات المالية المفيدة والميسورة الكلفة، بما في ذلك المدفوعات، والمدخرات، والائتمان، والتأمين. ويرد الشمول المالي ضمن خطة عام 2030 في إطار المقصد 10-8 من أهداف التنمية المستدامة، وهو يشكل عنصرًا أساسيًا من عناصر خطة عمل أديس أبابا لتمويل التنمية لعام 2015.

وتستفيد المشاريع الصُغرى والصغيرة والمتوسطة، كما الأفراد، من توسيع نطاق الشمول المالي في المنطقة العربية. فلدى الأفراد، يوّفر ذلك فرص الاستثمار الآمن ويزيد من الدخل، ما يؤدي إلى تحسن الظروف المعيشية. والأفراد المشاركون في النُظم المالية مخوّلون أكثر من غيرهم الشروع في أعمال تجارية أو توسيعها، والاستثمار في التعليم، وإدارة المخاطر، ودرء الصدمات 28. وغالبا ما يرتبط توسيع نطاق الشمول المالي في الاقتصادات المنخفضة والمتوسطة الدخل على وجه الخصوص ارتباطًا إيجابيًا بالنمو الاقتصادي 29.

وشهدت المنطقة العربية زيادة تدريجية في نسبة السكان الذين يمتلكون حسابات مالية، إلا أنها ال تزال الأضعف أداء على مستوى العالم في مجال الشمول المالي. فنسبة الأشخاص الذين يمتلكون حسابات مالية وقد أتموا 15 عاما ال تتعدى 37.2 في المائة في المنطقة، وهي نسبة أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 68.5 في المائة. وتتسع الفجوة بين الجنسين إذ يمتلك 48.3 في المائة من الرجال حسابات مصرفية مقابل 25.6 في المائة من النساء، وهاتان النسبتان اقلّ قدرًا من النسب التي تسجّلها المناطق الأخرى، وتأثيرهما أشد وطأة على تحقيق المساواة بين الجنسين. فافتقار المرأة إلى الشمول المالي بسبب العوائق القانونية، والاجتماعية، والثقافية يحد من تحكّمها بالشؤون المالية للأسر، ويقلل من فرصها لكسب دخل، ويقلّص قدرتها على التأمين ضد المخاطر أو استيعاب النفقات غير المتوقعة 30.

ولا تنعم المشاريع الصُغرى والصغيرة والمتوسطة بالازدهار إلا بتحقيق الشمول المالي. وتمثل هذه المشاريع 96 في المائة من الأعمال التجارية المسّجلة في المنطقة، وتشغّل ما يقارب نصف القوى العاملـة، إلا أنهـا بل تشـكّل سـوى 7 فـي المائـة مـن مجموع الإقراض المصرفي. وفي زيادة فرص حصولها على التمويل أكثر من إفادة. فتوقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن سد الفجوة في حصول هذه المشاريع على التمويل يزيد معدل النمو الاقتصادي في المنطقة بنسبة 1 في المائة سنويا، ويؤدي إلى استحداث ما يصل إلى 15 مليون وظيفة، ويعزز فعالية السياسات المالية والنقدية 31.

ويمكن لعدة استراتيجيات أن تُعمّق الشمول المالي، ويمكن تنفيذها انطلاقا من تعزيز البيئات الاقتصادية والقطاعات المالية الأوسع نطاقًا. ومن أساسياتها تحقيق تكافؤ الفرص بين المشاريع الصُغرى والصغيرة والمتوسطة وسواها، وضمان الشفافية والاستقرار في المؤسسات المالية من خلال وضع أطر قانونية متينة، وزيادة توفر المعلومات بشأن الائتمانيات. وتوفر قنوات التمويل البديلة على غرار تكنولوجيات الخدمات المالية ومحافظ الهاتف المحمول المزيد من الفرص لتيسير كلفة الخدمات الائتمانية والمصرفية وزيادة إمكانية الوصول إليها.

واو. الأبعاد الإقليمية

يؤدي التعاون والتكامل بين البلدان العربية إلى تضافر الجهود لتحقيق الهدف 8 من خلال تحفيز النمو الاقتصادي، واستحداث فرص عمل، وتعزيز الرخاء المشترك. وتتوقف الاستفادة الكاملـة مـن هذه الفـرص على تنفيذ إصلاحات لإزالة العوائق التجارية، وتيسـير التكامل بين الأسواق، وتعزيـز القـدرة التنافسـية الجماعية في السـوق العالمية.

وقد سعت المنطقة إلى تحقيق تكامل الأسواق عن طريق اعتماد اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. غير أن التجارة البينية متعثرة بسبب عقبات متعددة، فهي لا ترقى إلى إمكانياتها إذ لا تتجاوز 13 في المائة من مجموع التجارة 32. وتشمل التحديات الاستثناءات التي تتضمنها هذه الاتفاقية، مثل الفشل في إزالة العديد من العوائق غير الجمركية أمام التجارة؛ وعدم قابلية تطبيق الاتفاقية على تجارة الخدمات؛ وضعف التنفيذ والامتثال؛ وغياب آليات لتسوية النزاعات وحلها؛ والافتقار إلى قواعد منشأ واضحة. لا بد لتجديد الالتزامات السياسية بتحقيق التكامل التجاري، بطرق منها وضع الاتحاد الجمركي العربي المزمع إنشاؤه حيز التنفيذ، من أن ينتج تأثيرات إيجابية عديدة على اقتصاد المنطقة.

وقد يساهم إنشاء اتحاد جمركي في زيادة مجموع الصادرات بنسبة تتجاوز 5 في المائة في البلدان غير المنتجة للنفط، وبنسبة تصل إلى 7 في المائة في بعض هذه البلدان. وتزداد الصادرات البينية بوتيرة أسرع، بنسبة تتجاوز 7 في المائة بالإجمال، وتناهز 9 في المائة في البلدان غير المنتجة للنفط. وللاتحاد الجمركي آثار إيجابية على التشغيل، بالإضافة إلى زيادة الصادرات. وتشير التوقعات إلى انخفاض معدلات البطالة بنسبة تصل إلى 4 في المائة في صفوف العمال المهرة، وبنسبة تتجاوز 3 في المائة لدى العمال غير المهرة 33.

ويعزز الاتحاد الجمركي العربي تكامل سلاسل التوريد الإقليمية، وقد يحفّز الجهود الرامية إلى دعم الصناعة والتصنيع. ويعدّ تحسين وفورات الحجم، وتوسيع نطاق تمايز المنتجات، وتطوير سلاسل القيمة الإقليمية التي تستفيد من المزايا النسبية، ونقل التكنولوجيا، من العوامل التي تتيح الفرص لتحفيز النمو وتعزيز التنويع الاقتصادي.

الحواشي

1. ESCWA, Financing Development in the Arab Region.

2. Kabbani and Ben Mimoune, 2021.

3. ESCWA, 2023.

4. Reuters, 2021.

5. ESCWA, 2023.

6. المرجع نفسه.

7. وفقاً لتعريف منظمة العمل الدولية، السياسة الوطنية للعمالة هي إطار شامل ومتكامل للسياسات، من شأنه التأثير في مضمون السياسات الاقتصادية، والقطاعية، والاجتماعية، بهدف تحقيق العمالة الكاملة، والمنتجة، والمختارة بحرية، وتوفير فرص عمل لائق للجميع.

8. ILO, UNICEF and European Training Foundation, 2023.

9. ILO, UNICEF and IPC-IG, 2020.

10. ILO Employment Policy Gateway.

11. تجدر الإشارة إلى أنّ دولة فلسطين ليست عضواً في منظمة العمل الدولية؛ وأن بيانات التصديق غير متوفرة.

12. ITUC, 2023.

13. لا تتوفر بيانات عن دولة فلسطين عند تتبع اعتماد اتفاقيات منظمة العمل الدولية.

14. تقرير الآفاق الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي الصادر عن البنك الدولي، خريف 2022.

15. في المتوسط، شكل المهاجرون 53 في المائة من سكان بلدان مجلس التعاون الخليجي في عام 2020، وتراوحت هذه النسبة بين 39 في المائة في المملكة العربية السعودية و88 في المائة في الإمارات العربية المتحدة. ومن حيث عدد المهاجرين كنسبة مئوية من مجموع السكان، احتلت الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى عالمياً، وقطر المرتبة الثانية، والكويت المرتبة الثالثة. وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية في عام 2019 إلى أن 24.1 مليون مهاجر يعملون في 12 بلداً عربياً هي بلدان مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى الأردن، والجمهورية العربية السورية، ودولة فلسطين، والعراق، ولبنان، واليمن، ما يمثل 14 في المائة من مجموع العمال المهاجرين في العالم، وهم يشكلون أعلى نسبة عمال مهاجرين من مجموع القوى العاملة في العالم بلغت 41.4 في المائة في عام 2019 مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 5 في المائة فقط. ESCWA, IOM and UNHCR, 2022. يمكن الاطلاع أيضاً على الفصل الخاص بالهدف 10.

16. World Bank, 2017.

17. Gulf Research Center, Gulf Labour Markets, Migration and Population Programme, GCC: Percentage of nationals and non-nationals in employed population in GCC countries (2020).

18. The Conference Board Gulf Centre for Economics and Business Research (n.d.).

19. Asharq Al Awsat, 2023; Bouchemal and Chaouche, 2023.

20. يمكن الاطلاع على الهيئة العامة للاستعلامات في مصر؛ Mansour, 2023.

21. يمكن الاطلاع على تقرير رؤية لبنان الاقتصادية.

22. Medusa project and promoting sustainable tourism.

23. OECD, 2022.

24. Tunisia, National Tourism Strategy.

25. يمكن الاطلاع على المرصد العربي لأهداف التنمية المستدامة التابع للإسكوا، الهدف 8.

26. ESCWA and ILO, 2021.

27. AP News, 2023.

28. UN Women and European Commission, 2016.

29. Seven and Yetkiner, 2016.

30. UN Women and European Commission, 2016.

31. الاطلاع على صندوق النقد الدولي، تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإدخالها تحت مظلة الشمول المالي في العالم العربي، 2019.

32. ESCWA, 2019.

33. المرجع نفسه.

المراجع

African Union (2022). Compact Union des Comores pour l’Alimentation et l’Agriculture.

AP News (2023). Analysis: Syria rebuilding hopes dim as war enters year 13.

Asharq Al Awsat (2023). Algeria takes new measures to boost desert tourism. 23 January.

Bouchemal, M., and S. Chaouche (2023). Tourism for Algeria: an essential engine of economic development. International Journal of Innovative Studies in Sociology and Humanities 8(1).

The Conference Board Gulf Centre for Economics and Business Research (n.d.). GCC Nationalization Policies: A Trade-Off Between Productivity and Employment.

El Ouassif, A. (2021). The Challenge of the Youth Bulge in Africa and the Middle East: Migration and The Brain Drain.

Economic and Social Commission for Western Asia (ESCWA) (2019). Towards modernization of the Pan-Arab Free Trade Area Agreement.

__________ (2023). Survey of Economic and Social Developments in the Arab Region 2021-2022.

The Economic and Social Commission for Western Asia (ESCWA), and the International Labour Organization (ILO) (2021). Towards a Productive and Inclusive Path – Job Creation in the Arab Region.

The Economic and Social Commission for Western Asia (ESCWA), the International Organization for Migration (IOM) and the United Nations High Commissioner for Refugees (UNHCR) (2022). Situation Report on International Migration 2021: Building Forward Better for Migrants and Refugees in the Arab Region.

The International Labour Organization (ILO) (2023). New cooperation set to prepare a better skilled industrial workforce in Lebanon. Press release, 25 June.

The International Labour Organization (ILO), the United Nations Children’s Fund (UNICEF) and the European Training Foundation (2023). Enabling Success: Supporting Youth in MENA in Their Transition from Learning to Decent Work.

The International Labour Organization (ILO) and the United Nations Children’s Fund (UNICEF) (2020). COVID-19 and Child Labour: A Time of Crisis, A Time to Act.

The International Labour Organization (ILO), the United Nations Children’s Fund (UNICEF) and International Policy Centre for Inclusive Growth (IPC-IG) (2020). The Role of Social Protection in Young People’s Transition to Work in the Middle East and North Africa.

International Monetary Fund (IMF) (2023). Regional Economic Outlook: Middle East and Central Asia: May 2023.

International Trade Union Confederation (ITUC) (2023). Workers’ rights in 2023: Middle East and North Africa. Accessed on 9 October 2023.

Kabbani, N., and N. Ben Mimoune (2021). Economic diversification in the Gulf: Time to redouble efforts.

Mahfouz, H. F. (2023). Young doctors are leaving in droves for better jobs abroad. The Washington Post, 26 February.

Mansour, T. (2023). Egyptian Government to offer tourists new entry measures to revive sector. The New Arab, 28 March.

Overseas Development Institute (ODI) (2023). Prospects for aid in 2023: a watershed moment or business as usual?

Organisation for Economic Co-operation and Development (OECD) (2022). OECD Tourism Trends and Policies 2022.

Reuters (2021). Saudi Arabia won’t work with foreign firms without regional HQ from 2024. 15 February.

Seven, Ü., and H. Yetkiner (2016). Financial intermediation and economic growth: does income matter? Economic Systems 40(1): 39-58.

UN Women and European Commission (2016). Women’s Financial Inclusion in Conflict and Post-Conflict Arab Countries Report.

United Nations Conference on Trade and Development (UNCTAD) (2023). Economic Development in Africa Report 2023.

World Health Organization (WHO) (2021). Remarks by the WHO representative in Lebanon at WHO’s press briefing on Lebanon and Afghanistan. 23 September.

World Bank (2017). GCC States adopt 15 reforms to improve business climate: Doing Business report.

World Economic Forum (2022). Global Gender Gap Report.